الأحد، 30 سبتمبر 2018

انعزال



لأنك تعرفني أكثر من نفسي
لأنك تفهم ما أكتبه بين السطور
ولا يخفى عليك ما وراء كلماتي
لأنك تتعمد أن تعلمني أنك تعرف ما أعنيه و ما أحسه 
 لأنك قريب
لأنك تماثلني في وحدتي و عزلتي و ذعري من العالم
لأن روحي تتعرى أمامك و أفشل في سترها
أتحاشاك
أتحاشى لقائك لأنك تربكني كثيرا
أتحاشى حديثك لأنه يشعرني بالدفء الذي أفتقده
أتحاشى رؤيتك لأنها تذكرني بما لا أنساه من الفقد
فهلا ترفقت بي قليلا و اختفيت من عالمي
 لعلي أتظاهر بأنك لم تكن موجودا في يوم ما
أنا ابتعد عنك لكمالك و لنقصاني ... فلتعرف هذه الحقيقة لتتوقف عن البحث عن تبرير و تهدأ قليلا
 علك تكف عن إفشال محاولاتي في الاختفاء
دعني أبني بيننا حاجزا يحميني منك
القليل من الرحمة لن يضير ... و أنت أهل للرحمة  

السبت، 10 أكتوبر 2015

داخل رأس مكتئب

" كفاية وأوأة بقى "
لم توجعها الكلمة لأنها تعلم أنها حمل على غيرها ... لن تجد من يتحمل وجهها العابس و دموعها المنهمرة طوال اليوم
هي عبء ثقيل و بلاء لكل من يعرفها
تتقلب على فراشها و تتوسل للنوم أن يصالحها بعد فراق ليالي
تخشى أن يقلق أحد من المحيطين بها بسبب صوت أنفاسها من فمها المفتوح لأن أنفها انسد تماما مع سيل الدموع المتدفق من مقلتيها في صمت
قامت تترنح إلى المطبخ
في هذا الظلام الدامس التقطت سكيناً
أمسكته بإهمال و جلست على الأرض و أسندت ظهرها الي الحائط
سيل من الأفكار المتصارعة داخل رأسها
 " لماذا تبتليني بكل هذا الهم و الغم ؟؟؟
أستغفر الله ... لا يسأل عما يفعل و هم يسألون
ما الذي أغضبك مني يا رب الى هذا الحد
مازلت في الثامنة عشر من عمري
لم أسرق ... لم أرتشي ... لم أزن ... لم أقتل
ماذا فعلت لأخرج من رحمتك هكذا
أهو حجابي ؟؟؟
قصير غطاء رأسي ربما
أم أن قميصي يسبق ركبتي سروالي بسنتيمترات قليلة ؟؟؟
أهو أمر يستحق كل هذا العناء
يستوجب كل هذا الشقاء و كل هذا العقاب !!! "
فجأة شعرت بألم في معصمها فنظرت إليه بعينيها المتورمتين .
لم يتح لها الظلام أن ترى لونه لكنها كانت تشعر بدفء هذا السائل الذي ينساب من معصمها بسرعة ليملأ كفها الصغير .
أصابها الفزع  فرمت السكين بعيداً ...
" ويلي !!!
ماذا فعلت !!!
لقد صب علي جم غضبه بسبب حماقاتي الأهون من ذلك بكثير
ماذا سيفعل بي الآن ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
آسفة يا رب لم أقصد أبداً أن أتحداك
لم أعي أني أكسر قوانينك
أنا فقط لا أدري ما حدث و كيف حدث
ليس الآن فقط ... بل طوال سنوات عمري  لم أفهم شيئاً على الاطلاق
أتقيك كما أمرت فأخسر ... و يعصونك حولي فيرتفعون
يزداد الظلام حولي يوماً بعد بوم
ألجأ إليك أطلب منك العون ... لكني أصبح أثقل فأثقل
تخليت عني يا ربي و تركتني وحدي
حتى الموت الخلاص الوحيد من كل شقائي منعته عني !!!
لا أنام و لا أصحو حياتي كلها بين هذا و ذاك
بلا شك العالم سيكون أفضل بغيابي عنه
و حياة من حولي ستكون أسهل
لكن هل ستعذبني مجدداً في آخرتي ؟
ألم أعاني ما يكفي بعد !!!!
لا أفهمك و لا أعرف مرادك بي  "
ضغطت بقبضتها الصغيرة معصمها المجروح
وتسائلت كيف تنقذ الموقف  ...
" هل أستغيث بالنائمين ؟؟؟؟؟
سيغضبون مني كثيراً ... و سيبخونني أكثر ...
أربط معصمي و أخرج من المنزل بحثاً عن أقرب مشفى ... "
خارت قواها و عجزت عن الحركة قبل أن تصل لحل
" لا بأس ... لعل النوم داعبني وما كل هذا سوى أحد كوابيسي المرعبة ...
من زمن و أنا أفتقد التمييز بين الحقيقة و الخيال
بين نفسي و غير نفسي
سأغمض عيني اذاً و أنتظر أن أصحو من غفوتي ان كان حلماً في الصباح
أو أفيق في القبر ان كانت حقيقة "
غرقت في بحيرة الدماء حولها  وحيدة في الظلام
في استسلام تام و سكون من أي حركة ... سلام لم تعرفه من قبل و لن تعرفه بعد
بدأت ترى أضواء مختلفة و أناس لا تعرفهم يتكلمون بلغات لم تسمعها من قبل ...
ثم توقف كل شيء...
قتلها اكتئابها جسداً بعدما اغتال روحها منذ أمد
سرق بهجتها و شبابها ... أفسد عقلها و أتلف تفكيرها
 أضاعها عن عالمها و دنيتها ...و ربما أيضاً عن آخرتها 

لن يعلم إلا الله ما قد يكون مصيرها 

السبت، 19 سبتمبر 2015

حكايا الورد 1 " الفريسيا"


دار بعينيه المحل كله و البائع واقف بجانبه ينتظر و لا يقطع صمته .
فالتفت اليه و سأله :
"- أنا مش شايف فريسيا ... مش موجودة و لا ايه ؟
-لأ موجودة يا فندم ...لون ايه ؟
- أبيض
-تمام هجهز البوكيه لحضرتك"
أمسكت بيده كف صغيرة لطفل ذو خمس سنوات و رفع إليه عينين رائعتين برموش طويلة و سأله :

"بابا انت ليه جايب لجدو ورد مش هو مات و راح عند ربنا و مش هيشوفه خلاص ؟
-الورد لما بيتحط على قبر حد مات بيسبح و الميت بياخد ثواب التسبيح ده و بتزيد حلاوة مكانه في الجنة عند ربنا .
-و هيا الفليسيا دي حلوة؟
-أه يا حبيبي , و لونها أبيض زي قلب جدو الله يرحمه "

 صمت بعدها و استكمل في سره ... و قلبها أصفر كمرار سنواتي في حياته
دفع ثمن باقة متوسطة الحجم و سلّمها للصغير و خرجا من المحل متوجهين للمقابر .
وضعها فوق القبر و أمَرَ الطفل أن يتلو كل ما يحفظه من آيات الذكر الحكيم أمام قبرِجده
و وقف صامتاً يتأمله و هو يتلعثم بقرآته الصغيرة .

-" بابا انت مبتقولش قلآن زيي ليه ؟
_بقول بس في سري
-لأ قول بصوت عالي زيي
-لأ عشان انت متتلخبطش ... قول انت بصوت عالي وأنا هقول في سري "

هو لا يحب أن يهدي ثوابَ تلاوتَه لصاحبِ القبر في الحقيقة .
التفت الى الورود البيضاء على القبر و دار بينهما حوار صامت .

"- ما الذي استفاده بكل ما فعل ؟ لقد خسرَ كل شيء في النهاية ...
لماذا هجر أمي ؟ ماذا أذنبت ؟
- لعله لم يحبها
- ومن لا يحب من هي مثلها بكل طيبتها و نقاء نفسها و طاقة الإيثار لديها !
- لكل رجل مزاجه الخاص في النساء و سر القلوب بيد الله وحده .
- مزاجه نعم ... محور حياته كلها كان ارضاء مزاجه فقط ... المسئولية الوحيدة التي تحمّلها طوال عمره كانت مسئولية إسعاد نفسه .
فماذا فعلت أنا كي يتركني رضيعاً ... لماذا لم يحبني ؟؟؟ أليست هذه  هي الفطرة !!!
لماذا تخلَّى عني ؟؟؟
لماذا تركني منكسر النفس .... أرى الذُلَ في عيون أمي و هي تتلقّى صدقات من أخوالي لتعولني و تُطعمُني و تكسوني ؟
لماذا تركني أشعر دائماً بأني عالة على خالاتي عندما كانت أمي تتركني عندهنّ لتعمل مساءً في وظيفة أخرى لتساعد في دفع مصاريف مدرستي ؟؟؟
ما الذي أذنبْته أنا لأعيش كل هذا الاهمال و كل هذا الرفض من عائلة أمي فقط لأني ابنه و أحمل اسمه؟؟؟
تنقّل من امرأةٍ إلى أخرى  ... أنفقَ ماله و اهتمامه و حبه عليهنّ ...
أين هنّ الآن ؟؟؟ لا أرى واحدةً ممن تزوجهن تبكي بجوار قبره
هل يمكن أن توقظيه يا زهور الآن ليرد على سؤالي ؟
ماذا استفاد ؟؟
هل كان الأمر يستحق كل هذا التشويه الذي ألحقَهُ بروحي ؟
هل هو نادم الآن؟
كنت أنتظر موته بفراغ الصبر لأسأله إن كان نادماً.
لمْ أرى الندم و الانكسار في عينيهِ حتى في مرضه الأخير .
و لِمَ يندم و قد فعل كل ما يحلو له و في النهاية وجدَني بجانبه في احتياجه و في مرضه أرعاه !!!
لمْ أُعاقِبَه على ما فعله بي و لا بأمي .
لكني كنت سأشعر بعدل الدنيا لو كنت رأيته نادماً باكياً .
ليس عدلاً أن يعيش يتلذذ في متع الدنيا و يلحق بِنا كل هذا الأذى ثم يجدني أحْمِله على كتفيّ في أيامهِ الأخيرة .
بعد أن بخلَ عليّ بكل شيء... ماله ... وقته ... حنانه و اهتمامه
بعد أن أسقاني اليتم شراباً مراً في حياته, بل أسوأ من اليتم
فاليتيم يلقى عطف العالم بأسره .
اليتيم يشارك النبي احدى خصاله.
لكن أنا عشت أٌعاقَب بذنب أنه أبي .
-كان يبحث عن سعادة وهمية ظنّ أنها موجودة في الدنيا ... مسكين أفنى عمره في البحث عما لم يجده ... ادعو له أن يجده عند ربه
-أدعو له !!
كنت قد أفعل لو كنت وجدته عندما بدأ شاربي يرسم خطاً واضحاً فوق شفتي ...
لم يكن لأمي أن تعرف ما تقوله عما يحدث لي ...
لو لم يكن أذلّني عمراً و أنا أرى الإجهاد و الدموع يتسابقان في عيون أمي التي تشعر دائماً بالعجز و قلة الحيلة ...و هي شابة صغيرة ترعى طفلاً تراه مسكيناً ...و ترفض زيجة وراء أخرى كي لا تترك ابنها هي الأخرى فيصبح يتيم الأب و الأم  ... رغم احتياجها لرجلٍ يكْفُلها و يكْفُل لها أماناً لم تنعم به منذ تزوجته.
لو سامحته على ما فعله بي , لن أستطيع أبداً أن أسامحه على ما فعل بها .
تلك التي أفنت شبابها شقاءً و غماً الى أن ذابت صحتها تماماً و انحنى ظهرها ... ثم بعد ذلك هي تأمرني أكون ابناً باراً به  ... أعوله في شيبته و أرعاه في مرضه... وإلا تكون خسرت خسارتها الكبرى إذ أفنَت عمرها هباءً في تربيتي التي لم تفلح فيها !!!
-اذاً ادعو لهُ لتكون هذا الابن البار ... ادعو له وفاءً لأمك
حتى وإن لم يستحق هو دعائك ... حتى وإن كنت ستدعو بقلب واهن خاوي
ان لم يكن هو أهلاً لبرِّك ... فأنت أهلٌ لذلك
ربُكَ الديّان  مُطّلِع و شاهد و هو سيحابك فقط بما في يدك و أمر القلوب ليس في أيدينا "

مسح دموعه , و مسح على رأس الصغير الذي كان قد أفرغ كل ما في ذاكرته من قرآن حفّظته له جدته المسنة .

"- تعالى يللا سوا نقرا الفاتحة آخر حاجة قبل ما نمشي "

و تلواها معاً بصوت هادئ و ببطئ الصغير في كلامه الصغير
و قاما لينصرفا ...
فوجدا عند الباب شاباً يافعاً لم يلتحق بعد بالجامعة ...
فابتسم له , بينما لم يبادله الشاب الابتسامة ...
بل بادره قائلاً :

 " – مكنتش متوقع اني هلاقي حد هنا "

ضغط الأول على زر بمفاتيحه فارتفع صوت يخبر بفتح السيارة وقال للطفل :

 " اسبقني ع العربية يللا "

و التفت الى أخيه الغاضب

-" أنا كلمتك كتير عشان تيجي تشوف أبوك أو حتى تاخد عزاه
-مكنتش عاوز لا أشوفه و لا آخد عزاه
-وجاي هنا ليه دلوقتي ؟؟؟
-معرفش ... بدور على ايه ...  معرفش
-طيب عموماً أبوك الله يرحمه كان ليه أملاك , اعلام الوراثة خلاص طلع لازم تبقى ترد عليا بعد كده عشان تاخد نصيبك
-حلال عليك ... أنا مش عاوز أي حاجة تفكرني بيه ...
-اسمعني كويس ... غصب عنك هو أبوك .
أنا فاهم كل اللي انت حاسس بيه لأني مريت بيه قبلك , لكن خلاص ده نصيبنا من الدنيا , ده اللي حكم علينا بيه ربك
ملناش اننا نعترض
لا أنا و الا انت و لا أمك و لا أمي .
كلنا شربنا من نفس الكاس و خلاص ده قدر ربنا و لازم نستسلم له
و الدنيا دي كلها على بعضها مش مستاهلة ."

و صمت لما لمح إحمرار عينيّ أخيه و امتلاءهما بالدموع فلم يُرِدْ أن يقسو عليه أكثر

"- أنت أخويا الصغير و عم ابني اللي شفته ده ... و أنا جبته هنا النهاردة عشان لما أترمي هنا في نفس المكان ألاقي اللي يدعيلي و يتصدق عني ...
مش هقولك انسى كل اللي شفته في حياتك , و مش هقولك اني هعوضك ... لكن خليك فاكر ان ليك أخ كبير هتلاقيه دايماً وقت ما تحتاجه ضهر و سند ...
احنا الاتنين غلطانين اننا محاولناش نعرف بعض قبل كده أو نلاقي بعض , يمكن كنا هنبقى أحسن لو كنا لبعض عيلة .
افتكر كلامي ده كويس و لو لقيتني صح ابقى تعالى هتلاقيني مستنيك أعرفك على أمي و على مراتي و ابني , دول عيلتي ...
 و لازم يبقوا عيلتك انت كمان ... لأنك أخويا .
انت مش مضطر تعيش لوحدك تايه و بتخبط و بتدور على حاجة متعرفش هيا ايه "

و تركه ماضيًا من خلال الباب , فاستوقفه أخيه :

"- شكراً انك شيلت الليلة لوحدك , و أنا آسف اني مكنتش موجود
-مش مهم , المهم بعد كده
- إن شاء الله هبقى أكلمك "

 و تبادلا ابتسامتين باردتين واتجه الأول الي سيارته حيث ابنه الصغير
و اتجه الآخر إلى قبر أبيه ليتسكمل حديثه مع زهور الفريسيا و يكمل جلسة العتاب معها .



الأحد، 7 يونيو 2015

أحبيني بلا عقد


وصل من وقفت ساعات تتزين للقائه
بعد السلام و الترحيب
نظرَ إليها في صمتٍ و عيناهُ لا تفارقان وجهها الذي كستْهُ الحمرةُ خجلاً
_بتبص لي كده ليه
_ في حاجة عاوز أسألك عليها , بس عاوزك تجاوبيني من غير لا كدب و لا كسوف
_ ممم , كدب و كسوف الاتنين , اللهم اجعله خير
_  انتي بتحبيني؟
اتجهت شفتيها الى جانبِ وجهِها الأيسرِ و ردتْ و هما شِبهِ مقفولتين
_ أهلا !!! هو انت منهم !!! اتخطبنا بقى هتقعد تسبل ونرحرح في الكلام و تبدأ التجاوزات
عقدَ حاجبيهِ وردَّ بصرامة
_  متتلكلكيش عشان تتهربي من الاجابة , انتي عارفاني ممكن اكون بتاع تسبيل بس هيبقى في الحلال لا عاوز تجاوزات في الخطوبة و لا هرضى بيها , كل اللي عاوزه اني اعرف انا واقف فين بالظبط , دي حياتي الجاية كلها
اتفضلي جاوبي من غير  لف و لا دوران
حبست نفساً عميقاً و أخرجته و هي تقول
-لأ
و نظرتْ إليهِ نظرة مترقبة رد فعله
لم يبدْ عليهِ الغضبُ أو الاندهاش , و كأنّه يعرف الرد مسبقاً
_ أمال وافقتي تتجوزيني ليه؟
_انت مناسب عقلانيا ً , دين و خلق و بحس انك مأمون الجانب , طباعك لينه و بتعاملني كويس ...
 و مش هيبقى صعب عليا اني أعاملك كويس عشان أرضي ربنا و أبقى لطيفة معاك لأنك مش مستفز بالنسبالي و لا بتجرحني فتضطرني اني ابقى غلسة معاك ...
يعني الدنيا هتمشي...
_ بس أنا عاوز أتجوز واحدة تبقى فرحانة بيا و بتحبني , دي حقي , ده أبسط حقوق أي بني آدم بيتجوز على فكرة
_ طالما هعامل ربنا فيك و هريحك هتبقى مبسوط , فارقة معاك ايه !
_ فارقة معايا اني مش كلب بتترميله عضمة , هتعامليني كويس و تبقي لطيفة عشان ترضي ربنا , بتقوليها كأنك هتتصدقي عليا بحسن التبعل , لأ أنا انسان و عاوز أحب و أتحب
لهجتُه الصارمة و اصراره جعلتها تأخذ خطوةً إلى الوراءِ , يبدو انّها تستخفُ باحساسهِ فعلاً و بدون قصدٍ هي تجرحُه
_بص أنا مكدبتش عليك , حكيت لك كل حاجة قبل كده , أنا يا ما شفت من صغري من كل الرجالة اللي عرفتهم في حياتي , أنا عارفة انك شخص تستحق الثقة و مؤتمن .
لكن  ... دايماً هيفضل عندي حتة ترقب هتعمل فيا ايه , من زمان و أنا مقررة اني مش هحب ... من قبلك بكتير ... أنا مش هستحمل أتذل و لا أتهان بسبب الحب , و معنديش القدرة اني أحط كل حياتي بين ايدين أي حد و أعلق كل أحلامي و خططي بيه و في الآخر أخسر ...
مش هقدر أوعدك أني هحبك , الحب ده حاجة فوق قدرتي ... لا يكلف الله نفساً الا وسعها , اذا كان ربنا مش هيكلفني بللي مقدرش عليه , هتطلبه انت مني ...

استشاط غضبا ً من تبريراتها المزيفة لكن بمجرد النظر في عينيها رأي كل ما مر عليها من جروح في حياتها , فقرر ألا يناقشها في أن الله خلق البشر و خلق لهم قلوباً فطرهاً على الحب و أن حجتها كاذبة وواهية
_ بصي انا مش هسيبك حتى لو محبتنيش , هصبر لحد ما تعرفي تديني الأمان و اذا فشلت اني أخليكي تحسيه معايا يبقى أنا مستاهلكيش
اكتفى بهذا القدر من النقاشِ معها وهو يعرف جيداً لهفتها عليه و شوقَها الذي تجتهد لتداريه و ترفض أن تعترف به أمام نفسها حتى لا يصيبها الذعرُ لأنها بالفعل قد أحبته ...
لن يُقدِّم رغبتَه في أن تصارحه بالقولِ عما تخفيه عن نفسها  على  أمنها الداخلي و سلامها النفسي ...
لن يرضى بما دونَ أن تُجنّ بهِ لكنّه لن يحاربَها على اعلانهِ , بل سيُسالمها عليه ...
سيكتفي في كل جولةٍ معها بخُطوةٍ صغيرةٍ  ثابتة , خُطوته الأولى كللها بالنجاح في أن تعرفَ مسئوليتِها عن إحساسه بمشاعرها لهُ ...
لعل الجولة القادمة تكون ان تعرف أمام نفسها فقط أنها قادرة على أن تحب ...
لن يتعجلها كي لا يفزعها ...
سيصبر... لأنه يعلم جيداً نها تستحقُ صبرَهُ ...